الشعر النبطي
وهو ذلك الشعر الذي ترعرع بين أحضان البادية منذ العصور المتقدمة
وهذا الشعر يسمى عند أهل الجزيرة بــ (النبطي) والذي له اتصال بأساسه الجاهلي
نشأة الشعر النبطي
مع ما يواجهه الباحثون في صعوبة تحديد تلك الفترة إلا أن اقدم إشارة وصلتنا عن بداية هذا الشعر هي حديث ابن
خلدون عنه في مقدمته
أي قبل ما يربوا على خمسة قرون مضت ...
وقد أورد في حديثه هذا نماذج لهذا الشعر مما ينسب لبني
ل
يقول بن خلدون
فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر ، فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الأعاريض
ويقول : فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالأصمعيات
نسبة إلا الأصمعي راوية العرب في أشعارهم ...
وأهل المشرق من العرب يسمونه بالشعر النبطي
ولكن الجواب الحتمي لهذا أن هذا الشعر نشأ قبل هذا ،إذ ليس من المعقول أن هذا الشعر جاء دفعة واحدة فلابد أنه قد
مر بمراحل متعددة حتى استوى في صورته التي وجده بها بن خلدون
خصوصا وأن هذه الصورة مقاربة لما هو عليه الشعر في العصور القريبةومنه قول.........
سلطان بن مضفر بن يحي وهو في سجن الأمير زكريا أبي الحفص أول ملوك أفريقيا .....
يقول وفي بوح الجاء بعد وهنة = حرام على أجفان عيني منامها
يامن لقلب حالف الوجد والأسى = وروح هيامي طال مافي سقامها
ويعتقد بأنه نشأ بعد شيوع العامية على الألسنة في بدايات القرن الثالث الهجري حيث بدأ يتسرب شي من الضعف إلى
سلامة ألسنتهم
وكان أكثر البدو تعرضا لذلك من نزل بالقرب من السابلة ، وبقرب مجامع الأسواق .
حيث يقول الجاحظ إن أسوأ اللحن لحن هؤلاء الأعاريب .
ثم ذكر بأن أقدم لحن سمع في البادية هو قولهم – هذه عصاتي ، بدلا من – عصاي
.
ومن المؤثرات تحولهم بوجه خاص إلى الإقامة والأستقرار .....
وقد ذكر الهمداني انعدام الفصاحة عند كثير من قبائل جنوب الجزيرة ونجد والحجاز حوالي نهاية القرن الثالث
وفي القرن الرابع نرى ابن جني يعقد في كتابه (الخصائص) بابا مستقلا لأغلاط الأعراب ذهب فيه بالاتفاق مع أستاذه
أبى علي الفارسي إلى أن الأعراب قد يقعون في اللحن لانعدام الأصل والقوانين لديهم...
ويتضح مما تقدم لنا أن البدو فقدوا الكثير من نقاء لغتهم خلال القرن الرابع ، ولم تعد أشعارهم مثالا وشواهد لغوية
ويبدوا أن اللحن والصيغ المخالفة تطورت وسرت بشعرهم ولغتهم بشكل تدريجي حتى القرن الخامس وحتى وصلت إلى
ماهي عليه في عهد ابن خلدون واستمرت في هذا التطور إلى مانراه اليوم
ودليلنا على هذا التطور هو أن أقدم النماذج التي يذكرها ابن خلدون قريبة من الفصحى بشكل عام وعلاوة على هذه
النماذج ، نجد في النماذج التي تروى لقدامى شعراء البدو أمثال أبي حمزة العامري وراشد الخلاوي وغيرهم والتي
يرجع تاريخها إلى القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين ..فيها مقاربة للفصحى بشكل واضح مما لا نحسه بنفس
الوضوح في أشعار من جاء بعدهم وفي أشعار المعاصرين
يقول العامري :
تأبى عن الطمع الزهيد نفوسنا = وفروجنا تأبى عن الفحشـاء
فشهرت راس الرمح ثم ركزته = في المهرة المقذولة الشقـراء
ويقول راشد :
ولا يد إلا يد الله فوقهـا = ولا غالب إلا له الله غالبه
ونخرج من هذا إلى القول بان هذا الشعر إنما هو الشعر العربي قد تغيرت لهجته وجاء هذا التغيير نتيجة للتغيير الذي
طرأ على لهجة البدو التي بدأت تنعكس على شعرهم بشكل تدريجي منذ القرن الخامس الهجري وحتى الآن .....
ويبدوا أن البدو قد صارعوا هذا الذي أصاب شعرهم مدة من الزمن قبل أن يألفوه ويقرضوه بدليل أن بدو الجزيرة
تسمي هذا الشعر البدوي بـ (النبطي ) أي انه يحاكي لغة النبط في البعد عن الفصاحة
وهذا شاعرنا المعري يأسف لما وصل إليه العرب في زمانه فيقول :
أين أمرا القيس والعــذاري = إذ مال من تحته الغبيـط
استنبط العرب في الموامي = بعدك واستعرب النبيـط
أما من ناحية أوزانه فإنه لم يخرج عن أوزان الفصيح إلا في بعض أنواعه أما بصورته العامة فمازال على أعاريض
الشعر العربي
أما كونه يعد أدبا شعبيا فمجمله لا يعد ولكن يوجد به مايمكن أن يعد من الأدب الشعبي وابن خميس يرى بأنه أدبا
شعيبا
أنواع الشعرالنبطي
الشعر النبطي شعرا مغنى والشاعر النبطي في الأعم الأكثر يغني شعره غناء
وهذه الضاهرة ليست حديثه بل هي قديمة جدا تحدرت إليهم منه أسلافهم في الجاهلية
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه
تغن بالشعر أما أنت قائلـه إن الغناء لهذا الشعر مضمار
وقال ذو الرمة
أحب المكان القفر من أجل أننيبه أتغنى باسمها غير معجـم
فالتلازم بين الشعر النبطي والغناء ماهو إلا امتداد للتلازم بين شعر الجاهلية والعصور المتقدمة وبين الغناء
القصيد
ويراد به عند الأطلاق جميع الشعر النبطي وكلمة قصيد مرادفه لكلمة شعر وهذا النوع من الشعر النبطي له مكانته الأولى
والصدارة عند أهل البادية والحاضرة ...ومن ثم تأتي الأنواع الأخرى
أوزانه
يمتاز بأوزانه الطويلة النفس ومن الصعوبة بمكان جمع كل أوزانه .وقد جمع منها الأستاذ عبد الله بن الخميس مايقارب العشرين وزن
مواضيعه
متعددة منها المدح الرثاء الحربيات المفاخر والمراسلات والمعارضات وغيرها فهو يستحوذ على أكثر أنواع الشعرالنبطي
حنا شبات الحرب وإن شبت الـنـار = وتفازعت بين الـجـموع المشاهير
وحنا هل الجمع المسمى إلى سار = مرك اضنا يشبع به السبع والطير
ورفاقته واللي حـذانـــا لهـم جـار = وحنا عـلـيهم نـحمي الجار ونجيـر
طريقة عرضه
يقرا هذا النوع من الشعر في المجالس للمفاخره والحماسه وله طريقتين
أن يغنيه الشاعر
يقرأه قراءة عادية
الحداء
وهومعروف عند العرب ويأتي على شكل مقطوعات تتألف غالبا من بيتين وتلتزم كل قطعة قافيه وتتغير بتغير المقاطع
أوزانه
هذا النوع يلتزم وزنا معينا واحدا وهو (الرجز) المعروف وهو قديم جدا
مواضيعه
يقال غالبا في الفخر والحماسة وهومرتبط كليا بظروفه التي يقال فيها وهي ظروف المعركة وما تتطلبه من حماس وبذل وفخر ...
وطريقة عرضة
يقال على ظهور الخيل عند الذهاب للمعركة أو العودة منها ويقال له (الركبانية)
إن تـقـبـلـوا نعانق ونفـرش الــنـمــارق = أو تـديــروا نـفـارق فـراق غـيـر وامــق
ياربنا مامن صديق فوجين والثالث بـحر= والله لفوج لهاالطريق لعيون براق النحر
السامري
وهذا الإسم مشتق من السمر وهوغالبا لايقرأ إلا بالليل حيث يجتمع القوم للسمر وهو من أغنى أنواع الشعر بانغامه
ومن أشهر شعراءه ابن لعبون ثم ابن فرج
اوزانه
يلتزم وزنا واحدا وهو (الرمل) وأقسامه
سقى صوب الحيامزن تهامي على قبربتلعات الحجاز=أبوزرق على خده علاما تحلاها كما نقش بغازي
فهذه القطعه تلتزم (الوافر)
فيكون الوزن هكذا ........مفاعلتن مفاعلتن فعولن
مواضيعه
هو للسمر في المناسبات ويدور حول الغزل والشكوى والحنين والشوق ومايدور في فلكها
الهجيني
تسميته مأخوذة من الهجن أي الإبل لأنه ينشد في العادة على ظهور الإبل
أوزانه
ليس له أوزان محدده ولكنه في الغالب يأتي على أوزان اقصر من القصيد
مواضيعه
مختلفة ويأتي على شكل مقطوعات ليست طويلة ويؤدى عادتا على ظهور الإبل
يا راكب اللي بعيـد الخـد ودانـيب= واطن من ضرايب جيش ابن ثاني
ومن الثميلة لـدار الشـوق يمسنـه= لي روحن بالوصايف جول غزلاني