قلت وأنا أحاول أن أصرفها ، خاصة وأن الشعور بالذنب قد بدأ يشدد الخناق علي :
ـ هل هناك شيء محدد .. ؟
ـ هناك موضوعان ، وأعذرني فيما لو جرحت شعورك ، بعبارة لم أحسن استخدامها ، فأنا أحدثك بناء على الصورة النمطية للإسلام في ذهني ، والتي تراكمت ، ليس نتيجة تجربة شخصية ، ولكن من خلال التعرض لوسائل الإعلام .
سكتت ، فنظرت إليها منتظرا أن ، تخبرني ماذا تريد أن تقول ..
قالت ، وعيناها على عيني :
ـ هل هناك مكان للتسامح والحب في الإسلام .. ؟
طأطأت رأسي ، وتذكرت أني لابد أن أديم النظر إليها وأنا أحدثها ، مجيبا على سؤالها . هكذا هو العرف في ثقافتها ، و إلا كنت قليل أدب ، ومحتقر للطرف الآخر ، الذي أتحدث معه . يا إلهي ماذا أصنع ؟ لقد أصبح النظر إليها يعذبني مرتين . يعذب قلبي ، الذي تاه في فضاءات وجهها ، الذي أبدعت قدره الخالق في تصويره ، ويعذب نفسي التي تعلم أنها ترتع في حرام .
يا إلهي ساعدني فإن قدمي تزل : هل أطيع نفسي وشيطاني ، الذي يتمسح بالعرف في ثقافتها .. وبالدعوة . أم أطيع نداء ضميري ، الذي يقول لي ، بل يصرخ بي :
" إنك في دروب الغواية سائر " ؟ هل حقا يعنيك أن تحدثها عن الإسلام ..؟ أم يعنيك أن تتلذذ برؤية مواقع الجمال في وجهها العاجي الصغير . تطل على وجنتيها المتوردتين ، ثم تتأمل هاتين الشفتين القرمزيتين ، ثم تبحر في عينيها الزرقاوين ". ظنت أني حينما طأطأت رأسي ، وأطلت السكوت ، أنها قد أساءت لي بسؤالها ، فقالت :
ـ أنا جد آسفة ، لم أتعمد أن أسئ إليك ، ولم أقصد أن انتقد الإسلام ، أو اتهمه بشيء .. ربما كان يجب أن أقول : كيف ينظر الإسلام للحب والتسامح ، مقارنة بثقافات أخرى .. ؟ أو ربما كان سؤالي سخيفا تماما ، ولا معنى له ...
رفعت رأسي فالتقت عينانا . كان الشعور بالحرج ، والاحساس بالذنب ، قد صبغ وجهها بحمره ، فاستحال إلى شئ آخر مذ
. عيناها انكسرتا بتذلل ، فأضافتا إلى ذلك كله مشهدا استولى علي ، فقلت بألم ظاهر :
ـ ديمي يكفي ..
فاستعبرت .. وقالت بصوت يتهدج :
ـ سامحني ..
ـ أنت لم تفعلي أي خطأ .. أنا فقط كنت أفكر بالطريقة التي أجيب بها على تساؤلاتك .
كان مستحيلا أن تستمر عيناي معلقتان بوجهها . أي تبرير سيكون خداعا وغشا ، لا علاقة له بدعوة ، أو بتأليف قلب .. قلت لها :
ـ ديمي هل تسمحين لي أن لا أطيل النظر إلى وجهك .. ؟ هناك مبررات لها علاقة بثقافتي .. وهي قطعا لا تنطوي على أي مضامين سلبية .. قد تأتي مناسبة أخرى ، وأوضح لك لماذا . وافقت .. وبدأت الحديث ..
حدثتها عن التسامح كقيمة من قيم الإسلام الكبرى ، كما دلت على ذلك النصوص من القرآن والسنة . وعرضت لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم ، كتطبيق عملي لتلك النصوص . موقفه صلى الله عليه وسلم من قريش يوم فتح مكة ، حينما قال لهم : "اذهبوا فأنتم الطلقاء" . وأخذتها في سياحة في تاريخ أمتنا العريق .
كنت بين وقت وآخر ، اختلس نظرة لوجهها ، لأرى وقع كلامي عليها . كان التأثر باديا عليها ، لكن لم أكن أعلم يقينا ، هل ذلك بسبب ما أقول ، أم تفاعلا مع صوتي ، الذي بدا مجهدا ، حزينا ، وأحيانا متوسلا .. أن تقول : آمنت بدينك واتبعت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..
أم تراها أشفقت علي .. و هي ترى وجهي قد شحب ، حتى خلت أن الدم غاض منه ، وفاض في محياها ، الذي يزداد جمالا كلما ، ازدادت ألما ..
سكت .. ثم نظرت إليها ، وقلت :